شهادة الأب جورج محصل في كنيسة الروم الأرثوذكس

 

أخوتي في الإنسانية

كان عام 1967 نكسة للأمة العربية ، وكارثة لرعيتي ولكنيستي التي كنا قد انتهينا من تجهيزها وكنا فخورين بهذا العمل الذي قمنا به ، وقد تبرعت الكنائس الأخرى وبعض الأخوة الأتقياء بأيقونات ثمينة للكنيسة التي استوردنا المرمر لجدرانها من إيطاليا ، والشمعدانان من بلاداً أخرى حتى صارت الكنيسة متعة للعين وراحة للقلوب ثم جاء الغزو الإسرائيلي في عام 1967 ، واجتاح الجنود الإسرائيليون مدينتي .. القنيطرة .
كثيرون منكم -ربما - لا يعرفون القنيطرة إنها مدينة تضم حوالي /53000/ ، أربعون بالمائة منهم مسيحيين ، وقد اعتاد الناس تسميتها بـ (زهرة الجولان) التي مر منها القديس بولس منذ حوالي 2000 سنة ، وحيث أعيش .

إخواني
لقد اقتلع سكان القنيطرة و أرغموا على الرحيل من منازلهم ، بما في ذلك رعيتي ، وانتظرنا .. سبع سنوات طوال ونحن ننتظر العودة ، وفي عام 1973 حدثت حرب تشرين ، وبعدها بعدة أشهر تم انسحاب الجنود الإسرائيليين من القنيطرة .. زهرة الجولان . وكنت مع رعيتي بين الأوائل الذين دخلوا المدينة أو بالأحرى ما تبقى من المدينة التي ذكرتني بهيروشيما .. لا أستطيع أن أجد الكلمات .. لا أستطيع أن أجد الكلمات .
دخلت الكنيسة التي ساعدت في بنائها بيدي .. يا له من مشهد مروع !! لقد دمرت أجزاء كثيرة منها ، وكانت عارية ، ومنهوبة ، الصليب ، الجرس الأيقونات الثمينة ، الشمعدانات،حتى زجاج النوافذ المزخرف كسر وسرق ، وعريت الجدران من المرمر . أما بيتي فلم استطع العثور عليه بين أكوام الدمار الضخمة المحيطة بالكنيسة.
وبقيت أردد لنفسي : كيف استطاعوا أن يفعلوا ذلك ؟ كيف يستطيع إنسان أن يفعل شيئاً فظيعاً كهذا .. ؟ ولكن .. بعض الناس ليسوا بشراً !!! لقد سمعت بما فعل الجنود الإسرائيليين في المناطق الأخرى التي احتلوها .. ولكن ما فعلوه بالقنيطرة شيء لا يصدق .
حتى المقبرة , حيث يرقد بعض رعيتي بسلام بين إخوانهم المسيحيين ، انتهكها الجنود الإسرائيليين واغتصبوا القبور بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية .. ومن أجلكل شيء ؟ قطع صغيرة منالذهب ؟ أو الأساور ، وحتى الأسنان الذهبية إنه لشيء مرعب ووحشي ، ولا إنساني .

اخوتي في الإنسانية
أنا لا أروي قصة ، بل أصف مأساة ، ولست أطلب معروفاً .. بل أطلب أن يعود الحق إلى نصابه ، فالموتى يجب دفنهم من جديد ، والمدينة يجب أن تبنى مرة أخرى ، والرعية يجب أن يلتئم شملها ..
أما الحكم على هذه الأعمال ، فإنني أتركه أيها الأخوة لقلوبكم وضمائركم ..!

مقطع فيديو للشهادة ..................